الأحد، 23 نوفمبر 2008

يوم المرأة العالمي: مقاربة إسلامية

فاطمة حافظ
ما إن يحل شهر مارس من كل عام حتى يتجدد معه الجدل حول اليوم العالمي للمرأة بين المؤيدين والمعارضين، ويرتبط هذا الجدل بالنقاشات الدائرة حول اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ومؤتمر بكين وغيرها من الفعاليات النسوية الأممية؛ فما الذي يعنيه ذلك اليوم، وما هي الدلالات التي يحملها؟ وكيف يتم توظيفه سياسيا من قبل بعض الجهات الدولية؟
تعود الجذور التاريخية ليوم المرأة العالمي إلى تلك التظاهرات التي قامت بها عاملات النسيج في المصانع الأمريكية في الثامن من مارس (1857) للمطالبة بخفض عدد ساعات العمل ورفع الأجور، وهي التظاهرات التي تجددت في نيويورك بعد مرور ما يقرب من نصف قرن وتحديدا عام (1909) حين تظاهرت النساء للمطالبة بحقوقهن الاقتصادية التي أضيفت إليها الحقوق السياسية وبخاصة منح النساء حق الاقتراع العام.
وقد اصطبغت تلك التظاهرات النسائية بصبغة يسارية إذ أن المشاركات فيها كن عضوات في الحزب الاشتراكي الأمريكي ورددن الشعارات الماركسية، ولهذا جرى أول احتفاء بهذه التظاهرات من قبل الكومنترن (التنظيم الاشتراكي الدولي). وما إن نجحت الثورة البلشفية في روسيا حتى جرى تخصيص يوم للمرأة الروسية.
أما على صعيد الحركة النسوية الأوروبية فقد رأت المجتمعات في المؤتمر النسائي الدولي أن التظاهرات الأمريكية التي تصادف وقوعها في الثامن من مارس يمكن أن تصبح يوما للمرأة، وعلى هذا جرى الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى عام (1910)، غير أن الاحتفال لم يتخذ طابعه الأممي إلا مع إقراره من قبل الأمم المتحدة يوما "عالميا" للمرأة عام ( 1977) بعد أن ظل الاحتفال به قاصرا على العالم الغربي.
هناك عدد من التساؤلات تفرض نفسها في هذا السياق، ومنها لماذا تم اختيار هذا اليوم تحديدا وكان بالإمكان اختيار يوم يرتبط بانخراط النساء في مناسبة وطنية، ولماذا لم يتم الالتفات إليه إلا بعد مضي عقود، ولماذا تم تعميم هذا اليوم على العالم بأسره ؟ وهي تساؤلات قد لا تفهم إلا في سياق محاولة بعض الدول الغربية فرض منظورها على الأمم المتحدة في النظر إلى قضايا المرأة باعتبارها قضايا دولية، وأداة من أدوات التدخل السياسي للضغط على بعض الدول النامية.
وبغض النظر عن السياق الذي تم فيه اعتبار هذا اليوم مناسبة عالمية؛ فإن هناك عددا من الملاحظات المرتبطة بالواقع العربي الإسلامي يمكن أن نوجزها على النحو التالي:
أولا: أفضى تخصيص الأمم المتحدة يوما عالميا للمرأة إلى تحوله إلى احتفالية كبرى تشارك فيها النساء على اختلاف أجناسهن وثقافتهن، وهنا لابد أن نشير إلى أن فلسفة الاحتفال في الإسلام لا تقوم على تلك النظرة التجزيئية؛ فليس هناك أياما تحتفل فيها النساء وأياما أخر يحتفل بها الرجال؛ فالاحتفال يرتبط بمناسبة دينية ويشمل الأمة بأسرها رجالها ونساءها وأطفالها؛ فيصبح أداة للتوحيد بدلا من أن يكون معولا للتفريق والتمزيق بين عناصر الأمة. من جانب آخر فإن تخصيص يوم للمرأة يعني أن هذا اليوم يعد "استثناء" بين الأيام حيث تحظى فيه النساء بالتكريم أما بقية الأيام فإنهن محرومات من التقدير، وهذه الرؤية تتنافى مع تعاليم الشريعة التي تنظر للإنسان ذكرا كان أم أنثى باعتباره مستحقا للتكريم والاحترام انطلاقا من مبدأ الاستخلاف الإلهي.
ثانيا: يرتبط هذا اليوم بمناسبة تدور حول الحق /المادي؛ فالنساء اللواتي تظاهرن تحركن بدافع مادي، ورغم أن الشريعة الإسلامية تقر بأن الحقوق المادية هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وأن حفظ المال مقصد من مقاصد الشريعة، إلا أن الحقوق المادية هي مجرد جزء من منظومة الحقوق الإنسانية؛ فلا ينبغي أن يطغى الجزء على الكل أو أن يختزل الجزء الكل. وإذا كان هذا له ما يبرره في الحضارة الغربية التي تعلي من شأن الحق المادي وتجعل منه أهم حقوق الإنسان على الإطلاق، فإن هذا غير جائز إسلاميا إذ أن للإنسان حقوقا متعددة تتساوى في الأهمية، ولا يمكن أن يحل أحدها بديلا عن بقية الحقوق.
ثالثا: تم توظيف يوم المرأة العالمي ليكون أداة في يد الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لتسهيل مهمتها الاستعمارية في العراق وأفغانستان، وفي هذا الصدد نشير أن نهج الإدارة الأمريكية الحالية لا يخرج عما ذهب إليه اللورد كرومر (ممثل الاستعمار القديم) حين جعل من مسألة تحرير المرأة المسلمة من ربقة الرجل المسلم أحد مبررات قدوم جحافل الاستعمار الغربي إلى الشرق الإسلامي، وتكرر الولايات المتحدة اليوم نفس الديباجات الاستعمارية؛ فتزعم أن تمكين المرأة ورفع الغبن الواقع عليها أحد دوافعها لاحتلال العراق وأفغانستان، في محاولة لإضفاء الطابع الأخلاقي على الاستعمار الأمريكي.
رابعا: تحول يوم المرأة إلى مناسبة سنوية لابتعاث وفود نسائية من العراق وأفغانستان لحضور الاحتفال في العاصمة واشنطن حيث يخضعن لعدد من الدورات النسائية ويجتمعن مع المسئولين في الإدارة الأمريكية وضمن هذا الإطار التقى الرئيس بوش في مارس 2006 وفودا نسائية من الدولتين، وأشاد بالخطوات الهائلة التي قطعتها المرأة في أفغانستان والعراق منذ الإطاحة بنظامي طالبان وحزب البعث.
خامسا: رغم إعلان الأمم المتحدة الثامن من مارس يوما للمرأة منذ عام 1977 إلا أن الحكومات العربية لم تلق له بالا إلا في أعقاب مؤتمر بكين، ذلك أنه بات يشكل جزءا من الأجندة الدولية التي تم فرضها على الدول العربية والإسلامية. ويغلب على الاحتفالات العربية بهذا اليوم الطابع النخبوي حيث تظهر سيدات الطبقة العليا من عضوات الجمعيات النسائية التي تجني الأرباح الكبيرة باسم الدفاع عن حقوق المرأة والتي لا تظهر إلا في المناسبات التي تكون الكاميرا فيها حاضرة. ويتباهين بما حققته المرأة من مكاسب وما اعتلته من مناصب قيادية، بينما يغيب عن الاحتفال أي تمثيل للقاعدة الشعبية من النساء اللواتي لا يدركن ماهية هذا اليوم وما المراد من جعله احتفالية عالمية.
إن ما قدمناه من ملاحظات يؤكد أننا لا نؤسس رفضنا ليوم المرأة العالمي انطلاقا من اعتراضنا على دعاوى العالمية أو المشتركات الإنسانية التي يمكن أن تشكل أرضية ملائمة لتجمع دولي يتم خلاله تبادل الخبرات النسائية، وإنما رفضنا ينطلق من أن بعضا من أسسه ومرتكزاته التي يتأسس عليها لا تتفق مع الشريعة الإسلامية، وأنه صار يوظف سياسيا وحضاريا بحيث أصبح أداة لتحوير هوية النساء المسلمات ومحاولة لإعلان تفوق النموذج الحضاري الغربي على ما عداه من نماذج حضارية.
نشر بموقع لواء الشريعة

ليست هناك تعليقات: