السبت، 3 يناير 2009

الذين هم مع والذين هم ضد

لسنوات طويلة كنت أظن أن مبعث الخلل في الواقع الفكري والاجتماعي يتأتي عبر نوعية من البشر غير مبالية أو مكترثة بأي شيء فلا يمكن أن تُعدها من اليمين أو اليسار أو حتى من التنويعات الكثيرة بينهما، إذ هي نوعية منسحبة حول ذاتها وليس لها انهمام بالشأن العام إلا من زاوية مصلحتها الخاصة. وقد ترسخت تلك الفكرة لديّ بعد أن قرأت رواية "وقالت ضحى" للأديب بهاء طاهر الذي أكد لي صوابية ما ذهبت إليه، وذلك على لسان بطلة الرواية ضحى التي ذكرت صراحة إن الدنيا لا يضيعها – لا يفسدها- أن يكون هذا ماركسيا متطرفا أو ذاك إسلاميا متشددا؛ وإنما تفقد معناها تماما إذا كان أناسها لا يمكن تصنيفهم بأي حال ويعيشون حالة من اللامبالاة والسلبية والانكفاء حول الذات.
كان عليّ أن أعيد النظر في تلك القناعة بعدما لاحظت أن هناك نوعية أخرى من البشر قد يكونون على قناعة بالشيء ونقيضه في آن واحد؛ فترى الواحد منهم لفترة من الفترات يؤيد فكرة ما أو يتحزب إلى شخص بعينه بشكل مبالغ فيه دون تعقل ولكنه -ولأسباب ذاتية وقد تكون بريئة- ينقلب إلى النقيض أو يجمع بينهما في مركب غريب ومتناقض وغير مسوغ عقليا. ومواقف وأفعال هؤلاء في الحقيقة هي سلسلة من التراجعات المستمرة؛ فما يؤمنون به يتراجعون عنه أو على أحسن تقدير يعلنون حيادهم تجاهه ولأسباب قد تبعث على الضحك. إن الضرر الذي يقع من هؤلاء في كثير من الأحيان يصبح نافذا وأشد وضررا من المنسحبين حول ذواتهم والذين يعلنون صراحة عدم اكتراثهم.
أميرة القهوة

ليست هناك تعليقات: