السبت، 3 يناير 2009

أنت منذ الآن غيرك


محمود درويش
هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى ‏دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ ‏
وهل كان ‏علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ ‏كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! ‏
أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على ‏غيرك! ‏
أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك ‏هي دُونيّة المُتعالي، وغطرسة الوضيع! ‏
أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ‏ابتعدنا عنك!
‏أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟وماذا تريدون مني؟ ‏فنحن أيضاً لا نعرف.
‏أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري ‏سبيلٍ ثقلاءِ الظل! ‏
الهوية هي: ما نُورث لا ما نَرِث.
ما نخترع لا ما ‏نتذكر.
الهوية هي فَسادُ المرآة التي يجب أن نكسرها كُلَّما أعجبتنا الصورة!
‏تَقَنَّع وتَشَجَّع، وقتل أمَّه.. لأنها هي ما تيسَّر له من الطرائد.. ولأنَّ ‏جنديَّةً أوقفته وكشفتْ له عن نهديها قائلة: هل لأمِّك، مثلهما؟
‏لولا ‏الحياء والظلام، لزرتُ غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم ‏النبي الجديد!
‏ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابةٍ نبيّ، ‏ولكل صحابيّ ميليشيا!
‏أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم نجد مَنْ ‏يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى! ‏
مهما نظرتَ في عينيّ.. فلن ‏تجد نظرتي هناك. خَطَفَتْها فضيحة!
‏قلبي ليس لي... ولا لأحد. لقد استقلَّ ‏عني، دون أن يصبح حجراً. ‏
هل يعرفُ مَنْ يهتفُ على جثة ضحيّته - أخيه: ‏الله أكبر ‏أنه كافر إذ يرى الله على صورته هو: أصغرَ من كائنٍ بشريٍّ سويِّ ‏التكوين؟ ‏
أخفى السجينُ، الطامحُ إلى وراثة السجن، ابتسامةَ النصر عن ‏الكاميرا. لكنه لم يفلح في كبح السعادة السائلة من عينيه.‏رُبَّما لأن النصّ ‏المتعجِّل كان أَقوى من المُمثِّل.
‏ما حاجتنا للنرجس، ما دمنا ‏فلسطينيين. ‏
وما دمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر ‏لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة... ما دامت هي والأيام إلى مصير واحد؟. ‏
لافتة كبيرة على باب نادٍ ليليٍّ: نرحب بالفلسطينيين العائدين من المعركة. ‏الدخول مجاناً! وخمرتنا... لا تُسْكِر!
لا أستطيع الدفاع عن حقي في ‏العمل، ماسحَ أحذيةٍ على الأرصفة.‏لأن من حقّ زبائني أن يعتبروني لصَّ أحذية ـ ‏هكذا قال لي أستاذ جامعة!.
‏أنا والغريب على ابن عمِّي. وأنا وابن ‏عمِّي على أَخي. وأَنا وشيخي عليَّ ‏ هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية ‏الجديدة،
في أقبية الظلام. ‏من يدخل الجنة أولاً؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم ‏مَنْ مات برصاص الأخ؟‏
بعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمّك!.‏
لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة. ولكن، يغيظني أنصارهم ‏العلمانيون، وأَنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلاّ بدين وحيد: صورهم في ‏التلفزيون!.
‏سألني: هل يدافع حارس جائع عن دارٍ سافر صاحبها، لقضاء إجازته ‏الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية.. لا فرق؟‏قُلْتُ: لا يدافع!.‏
وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟ ‏قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد!.
‏لا ‏أَخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف. ولكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن ‏خلدون.
‏أنت، منذ الآن، غيرك!.

ليست هناك تعليقات: